حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة المعوقين ومسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية مع تزايد أعداد المعاقين في العالم بشكل ملحوظ وكبير خاصة في الآونة الأخيرة من عصرنا الحديث وبعد حدوث الكثير من التغيرات الديموغرافية في الحياة وتفشي العوامل الصحية التي تصيب الأم الحامل قبل وأثناء الولادة والمسببة للإعاقة، برز هنا الاهتمام الكبير بفئات المعاقين على كافة المستويات
وتعاظمت نسبة المعاقين في العالم اليوم إلى ما يعادل 13.5% من مجموع سكان العالم مع بداية القرن الحادي والعشرين، ومن الممكن أن تصل إلى 15%. وعلى هذا فعدد المعاقين في العالم اليوم يصل إلى 900 مليون شخص سيكون أكثر من 80% منهم من بلدان العالم الثالث والبلدان النامية.
وقد حرص المجتمع الدولي والمنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان في الربع الأخير من القرن الماضي على أن يأخذ المعوق نصيبه من الرعاية والاهتمام والحقوق والواجبات ، فأصدرت الأمم المتحدة - إعلان حقوق المعاقين عقلياً- عام 1971، وإعلان حقوق المعوّقين عام 1975، كما أنها أعلنت العام الدولي للمعاقين عام 1981م .
و قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع أكثر ، لابد لنا من تعريف مبسط للإعاقة.
تعريف الإعاقة: الإعاقة تعني قصوراً أو عيباً وظيفياً يصيب عضواً أو وظيفة من وظائف الإنسان العضوية أو النفسية بحيث يؤدي إلى خلل أو تبدل في عملية تكيف هذه الوظيفة مع الوسط ، والإعاقة موجودة في تكوين الإنسان وليست خارجة عنه تؤثر على علاقته مع الوسط الاجتماعي بكل أبعاده
الأمر الذي يتطلب إجراءات تربوية تعليمية خاصة تنسجم مع الحاجات التي يتطلبها كل نوع من أنواع الإعاقة. وهناك أسباب كثيرة للإعاقة منها أسباب وعوامل حدثت قبل الولادة
ومنها أسباب وعوامل مرافقه لعملية الولادة وعوامل أخرى حدثت بعد الولادة ، إضافة إلى العوامل الوراثية التي تؤدي إلى الإعاقات الذهنية العقلية.
أساليب رعاية المعاقين وحقهم في التعليم: تشير الدراسات إلى تعدد أشكال وأساليب رعاية المعاقين والطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة ، ومن بين هذه الأساليب التي حظيت بانتشار واسع في الكثير من دول العالم
"
أسلوب الدمج".ومفهوم الدمج في جوهره مفهوم اجتماعي أخلاقي ، نابع من حركة حقوق الإنسان في مقابل سياسية التصنيف والعزل لأي فرد بسبب إعاقته
بغض النظر عن العرق ، والمستوى الاجتماعي ، والجنس ونوع الإعاقة ، فكلما قضى الطلاب المعوقون وقتاً أطول في فصول المدرسة العادية في الصغر ، كلما زاد تحصيلهم تربوياً ومهنياً مع تقدمهم في العمر .
ولقد أوضحت نتائج الدراسات أن الطلاب المعوقين بدرجة متوسطة وشديدة يمكن أن يحققوا مستويات أفضل من التحصيل والمخرجات التربوية في الوضع التربوي العام.
ورغم الانتشار الذي يحققه أسلوب الدمج في مدارس بعض الدول ، إلا أن البحوث والتقييم للممارسات التطبيقية جاءت متناقضة حول نجاح هذه السياسة في تحقيق الأهداف الإيجابية التي تسعى إلى تحقيقها
ومازال مفهوم الإدماج وممارسته يمثلان مجالاً واسعاً في أي دراسة ، والواقع يبين أن الإدماج يمثل مشكلاً أساسياً يطرح نفسه فيما يتعلق بتنظيم تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل خاص والمعاقين بشكل عام.
وتتضح المعاني الكثيرة لعملية الإدماج من خلال إجراءات تنفيذه تختلف باختلاف البلدان التي تتبع هذه السياسة : ففي" فنلندة"، الدمج يعني توفير وتجهيز مكان يدمج فيه جميع الأطفال داخل النظام التعليمي العام وفي"كورستاريكا" يتم مواءمة مناهج التعليم كي تتناسب مع متوسطي الإعاقة
وفي "كوبا وسلفادور وبيرو" يقومون بتحويل التلاميذ من المراكز الخاصة إلى المدارس العادية متى كان الوقت مناسباً ، وفي "الأرجنتين وفنزويلا" يتم إمداد ذوي الإعاقات الموجودين في المدارس العادية بالتدعيم والمعونة اللازمة بواسطة متخصصين يقومون بزيارة المدرسة بشكل منتظم
وفي "النرويج ونيوزيلاندة" يعد الدمج مبدأ أساسياً حيث يتم تعليم المعاقين داخل الفصول العادية جنباً إلى جنب مع أقرانهم العاديين وعندما يكون العزل شيئاً محتماً فإن ذلك يكون لفترة محددة ومدروسة.
ويؤكد إعلان الأمم المتحدة (1975) على حق الأشخاص المعوقين في التعليم والتدريب والتأهيل المهني والمساعدة والتوظيف ، وغير ذلك من الخدمات التي تسرع بعملية إدماجهم ،أو إعادة إدماجهم في المجتمع .
ومؤتمر سلامنكا الذي عقد من قبل منظمة اليونسكو وبالتعاون مع العديد من المنظمات الأهلية والتطوعية والحكومية أطلقت مبادرة المدرسة الجامعة أو التربية الجامعة حيث أكدت عليها رسميا عام 1988 باعتبارها قضية رئيسية للعمل المستقبلي
حيث نصت توصياتها على ما يلي : " إن المسؤوليات المترتبة على التربية الخاصة تقع ضمن مسؤوليات الجهاز التربوي بكامله ويجب أن لا يكون هناك نظامان منفصلان لجهاز تربية واحد .
وبدون أدنى شك فإن الجهاز التربوي برمته سيستفيد من إجراء التغييرات الضرورية المناسبة التي تتلاءم مع حاجات الأطفال المعوقين . فإذا نجحنا في إيجاد طريقة فاعلة لتعليم الأشخاص المعوقين ضمن المدرسة العادية نكون بذلك قد وحدنا الأرضية الصالحة تربويا لوضع مثالي لجميع التلامذة " .
وعلى هذا الأساس عقد مؤتمر سلامنكا بإسبانيا في شهر حزيران عام 1994. وقد حضر هذا المؤتمر 300 شخص يمثلون (92) دولة و ( 25 ) منظمة دولية.
وقد جاء فيه : أن لكل طفل معاق حقا أساسيا في التعليم ويجب أن يعطى الحق في بلوغ مستوى مقبول في التعليم والمحافظة عليه .
أن لكل طفل خصائصه الفريدة واهتماماته وقدراته واحتياجاته الخاصة في التعليم .
أن نظم التعليم يجب أن تعمم وينبغي أن تطبق البرامج التعليمية على نحو يراعى فيه التنوع في الخصائص والاحتياجات .
أن الأطفال المعاقين من ذوي الحاجات الخاصة بجب أن تتاح لهم فرص الالتحاق بالمدارس العادية التي ينبغي أن تهيئ لهم تربية محورها الطفل وقادرة على تلبية تلك الاحتياجات .
أن المدارس العادية التي تأخذ هذا المنحى الجامع هي أنجح وسيلة لكافة مواقف التمييز وإيجاد مجتمعات حقيقية وإقامة مجتمع متسامح وبلوغ هدف التعليم للجميع . وأن هذه المدارس توفر فضلا عن ذلك تعليمـا محميـا لغالبية التلاميذ وترفع من مستوى كفاءاتهم مما يترتب عليه في آخر المطاف فعالية النظام التعليمي برمته .
ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان المعاق: إن ظهور التشريعات والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية والتي أكدت على أهمية النظر إلي الإنسان المعوق ضمن معيار الإنسان العادي من حيث الحقوق والواجبات ومن حيث ضرورة إتاحة كافة الفرص له للاستفادة من البرامج والخدمات التربوية والتعليمية شأنه شأن أي إنسان عادي .
وقد ظهرت هذه التشريعات والقوانين بضغط محلي / إقليمي / دولي وعلى رأسها الأمم المتحدة نتيجة جهود المنظمات الدولية وحقوق الإنسان وجمعيات أهالي الأفراد المعوقين والمعوقين أنفسهم وكذلك جهود العلماء والباحثين في مجال التربية الخاصة.
ومع توفر الأخصائي في مجال التربية الخاصة في تطوير مجموعة الخدمات والبرامج التربوية والتعليمية والتأهيلية أدى إلى تعديل المفاهيم والاتجاهات السلبية نحو المعوقين والتي كانت تنادي بعزلهم عن المجتمع .
وأدى تأثير الجماعات الضاغطة في المجتمعات المحلية على واضعي السياسات التربوية والتعليمية في بلدانهم إلى تعديل المفاهيم وتطوير الخدمات المقدمة للأفراد المعوقين لتشمل مختلف مراحل الحياة ، والنظرة إلي الإنسان المعوق من منظار القدرة وعدم النظرإليه من منظار العجز أدى إلى اكتشاف القدرات الخاصة للمعوقين وإظهارها ومساندة الأفراد المعوقين وإتاحة الفرصة لهم للتمتع بالفرص المتاحة في المجتمع لتنميته وتطوير وتثبيت هذه القدرات.
ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (1945)، وإعلان حقوق الطفل (1975)، وإعلان التقدم الاجتماعي والإنماء (1969 ) ومؤتمر مانيلا الذي عقد في سنة (1987) واعتبار عام (1981) عاماً دولياً للمعوقين، والمؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية الذي عقد في حزيران سنة (1955) وتبني المؤتمر قرار رقم (99) والتوصية رقم (159، 168) لسنة 1983 (مكتب العمل الدولي 1989، 1987، 1985، الأمم المتحدة ، 1994) وميثاق حقوق الطفل الأصم في الوطن العربي والذي ركز على حق الأصم في العناية والرعاية والحصول على أفضل الخدمات الصحية والاستفادة من أساليب التربية المختصة المنظمة والهادفة ورفع مستوى قدرته
.
فئات المعاقين المعنية بالدمج :
التربية الخاصة
الأفراد ذوي الحاجات الخاصة
الطلبة ذوي الحاجات الخاصة
المعاقين عقليا
مفهوم الدمــج يقصد بأسلوب الدمج " تقديم مختلف أنواع الخدمات والرعاية للمعاقين من ذوي الحاجات الخاصة في بيئة الأفراد العاديين ، وهذا يعني عدم عزل هؤلاء الأفراد في مؤسسات خاصة من أقرانهم العاديين
يمكن للدمج أن يحقق الأهداف التالية :
إتاحة الفرصة لجميع الأطفال المعوقين للتعليم المتكافئ والمتساوي مع غيرهم من أطفال المجتمع .
إتاحة الفرصة للأطفال المعوقين للانخراط في الحياة العادية .
• إتاحة الفرصة للأطفال العاديين للتعرف إلى الأطفال المعوقين عن قرب وتقدير مشكلاتهم ومساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة
خدمة الأطفال المعوقين في بيئاتهم المحلية والتخفيف من صعوبة انتقالهم إلى مؤسسات ومراكز بعيدة عن بيئتهم خارج أسرتهم ، وينطبق هذا بشكل خاص على الأطفال من المناطق الريفية والبعيدة عن خدمات مؤسسات التربية الخاصة .
استيعاب أكبر نسبة ممكنة من الأطفال المعوقين الذين قد لا تتوافر لديهم فرص التعليم .
يساعد الدمج أسر الأطفال المعوقين على الإحساس بالعادية وتخليصهم من المشاعر والاتجاهات السلبية .
يهدف الدمج إلى تعديل اتجاهات أفراد المجتمع وبالذات العاملين في المدارس العامة من مديرين ومدرسين وطلبة وأولياء أمور وذلك من خلال اكتشاف قدرات وإمكانات الأطفال المعوقين التي لم تتاح لهم الظروف المناسبة للظهور .
التقليل من الكلفة العالية لمراكز ومؤسسات التربية الخاصة.
كلمة أخيرة: إن الدفاع عن حقوق المعاقين والعمل على تحقيق مطالبهم بتحسين واقع الخدمات المقدمة لهم وتعريف المجتمع بأهمية المعاق كعنصر بشري قادر على الإنتاج وشعور المعاق بترابط أسري حميم بينه وبين أعضاء أسرته ومجتمعه له تأثيرات إيجابية وعلاقات تبادلية تسودها المحبة والمودة ، فدور المجتمع الدولي والمنظمات العالمية والحكومات والمؤسسات الأهلية العمل على تنشيط حياته الاجتماعية ومساعدته على اكتساب أنماط سلوكية متعددة، ومعارف متجددة ، لتزيد من انتمائه لمجتمعه فهو جزء من النظام الاجتماعي الذي ينتمي إليه وله حقوق وواجبات في ممارسة دوره على أكمل وجه بشكل فعال .
وللأسف الشديد لا تزال بعض المجتمعات متغيبة عن ذلك الشطر الحضاري الذي يوفر لهذه الشريحة من أبناءنا فرص العلاج والتدريب والتأهيل الكافية ، حتى تمكنهم للتعايش مع أقرانهم الأطفال قدر الإمكان بأسلوب حضاري وإنساني مهذب وراقي.