القانون الدولى كحقل خاص من القانون يرمز الى مجموعة من القواعد القانونية التى تنظم العلاقات بين اشخاص القانون الدولى و على رأسها الدول و المنظمات الدولية و هدفه الرئيسى هو فض النزاعات بين الدول بالطرق السلمية. و لم يعترف القانون الدولى لحد الآن بألأفراد كأشخاص للقانون الدولى بصورة كاملة بل يتعامل معهم من خلال دولهم ما عدا على بعض المستويات الاقليمية كحماية حقوق الانسان فى اطار المجلس الاوربى حيث يسمح للفرد بأللجوء مباشرة الى المحكمة الاوربية لحقوق الانسان فى حالة خروق حقوقه من قبل الدولة العضوة فى المعاهدة الاوربية لحقوق الانسان. لعل عدم اعتراف القانون الدولى بألأفراد كاشخاص قانونيين بصورة كاملة فى اطار القانون الدولى ساهم الى حد كبير فى تدهور اوضاع حقوق الانسان فى العالم اذ لا توجد لحد الآن مثلا محكمة مختصة بحماية حقوق الانسان على المستوى الدولى تستطيع الافراد اللجوء اليها فى حالة خروق حقوقهم.
حقوق العمال تقع ايضا فى اطار حقوق الانسان التى لا يتم حمايتها بصورة فعالة فى القانون الدولى و ان القانون الدولى يجد نفسه فى مرحلة التطور فى هذا لمجال و لكن هناك بداية مشجعة.
و مصطلح العمال نفسه يختلف فى القانون الدولى عما عليه عند التعريفات الاقتصادية و السياسية و الادارية، اذ ان من الناحية الاقتصادية يعتبر العمل كاحد عوامل الانتاج الثلاثة أى الارض و الرأسمال و العمل(الرأسمال البشرى). و من الناحية الادارية يشير الى العمال عادة كصنف من الافراد من بين الذين يعملون مقابل اجر و ليس لهم سهم فى المؤسسات التى يعملون بها و غالبا ما سيتخدم هذه العبارة لتميز هذا الصنف من صنف المستخدمين و الموضفين الذين يؤدون بصورة رئيسية اعمال مكتبية او يعملون لصالح الدولة. و من الناحية السياسية اى الايدولوجية، خاصة الماركسية يشار الى العمال كالطبقة المنتجة المهمش دورها و التى تضطر الى تاجير جهدها فى المجتمع الرأسمالى.
القانون الدولى لا يميز هنا بين اى فئة معينة من العاملين مقابل الاجر و لهذا يستخدم القانون الدولى مصطلح العاملين بدل العمال.
اولى المحاولات لحماية حقوق العمال من خلال القانون الدولى بدأت من قبل بعض المثقفين فى بريطانيا و بلجيكا و فرنسا و سويسرا اواسط القرن التاسع عشر و لكن المحاولات هذه لم تتخذ شكلا منظما الى سنة 1890 حيث تم عقد اول مؤتمر حول هذه المسألة فى مدينة بيرن السويسرية.
و لكن القفزة النوعية فى هذا المجال جاءت بعد الحرب العالمية الأولى حيث نص القسم الثامن من معاهدة فيرساي للسلام سنة 1919 على تاسيس منظمة العمل الدولية تكون من ضمن واجباتها و ضع مسودة المعاهدات الدولية لحماية حقوق العمال و اصدار التوصيات.
و لكن هذا لا يعنى بان حماية حقوق العمال تقتصر فقط على جهود منظمة العمل الدولية بل تشترك فى هذه الجهود الآن العديد من المنظمات الدولية و الاقليمية كألامم المتحدة و جامعة الدول العربية و المجلس الاوربى و منظمة الدول الامريكية و منظمة الوحدة الافريقية.
و الاهداف الرئيسية للقانون الدولى فى مجال حماية حقوق العمال هى:
1. تنظيم المنافسة: من المعلوم بان الدول و الشركات هى فى منافسة اقتصادية مستمرة مع بعضها البعض و المنافسة هذه تكون بصورة رئيسية فى مجال اسعار السلع المنتجة حيث تدنى اسعار السلع يعتبر امتيازا تسويقيا للمنتج. و هناك مخاوف بان تجرى هذه المنافسة فى مجال الاسعار على حساب العمال كعامل انتاج متغير قبل الارض و الرأسمال اى استغلال جهد العمال من خلال دفع اجور غير عادلة لهم من اجل خفض اسعار السلع فى السوق لصالح تقوية المنافسة . و لهذا فان القانون الدولى يسعى الى حماية العمال من اجل الحصول على اجور عادلة مقابل عملهم.
2. دعم السلم الدولى: من المعلوم بان اللاعدالة فى المجال الاجتماعى فى دولة ما تشكل ايصا خطرا على المجتمع الدولى ككل لانها يمكن ان تؤدى الى ثورات و حروب داخلية و لهذا فان القانون الدولى يحاول بجهد نشر العدالة فى العالم خدمة للسلم الدولى.
3. نشر العدالة الاجتماعية: من البديهى بان النمو الاقتصادى فى دولة ما لا يعنى بالضرورة التقدم الاجتماعى. و فى بعض الحالات تمنح الاولية للنمو الاقتصادى على حساب التقدم و الرفاه الاجتماعى و غالبا ما يكون العمال من بين اولى الضحايا، و لهذا فان القانون الدولى يسعى الى ايجاد توازن بين النمو الاقتصادى و التقدم الاجتماعى.
4. تطوير قوانين العمل الوطنية: ان القانون الدولى من خلال وضعه المعايير فى مجال حماية حقوق العمال يضع سقفا قانونيا للقوانين الوطنية المختصة بحقوق العمال لا يجوز تجاوزه كحظر عمل الاطفال و تحسين ظروف العمل والمساواة فى الاجور مثلا.
5. دعم حركات الاصلاح: القانون الدولى من خلال اصداره لتوصيات و عقد معاهدات دولية يشكل مصدر الهام للمطالبين بحقوق العمال و تحسين ظروفهم من قبل منظمات المجتمع المدنى و حتى الحكومات و تمنح هذه المطالب شرعية دولية.
القانون الدولى كاي حقل آخر من القانون يحتاج الى ألية معينة لغرض تادية واجباته فى تطبيق و تنفيذ قواعده كما هو الحال فى القوانين الوطنية حيث هناك المحاكم التى تطبق القانون و الاجهزة التنفيذية التى تنفذ قرارات المحاكم. و لو ان الامر يختلف نوعا ما فى القانون الدولى اذ انه يفتقر على المستوى الدولى الى آلية تنفيذية مركزية و ان الدول تعتمد الى حد كبير على حق الثأر اى الرد بالمثل كما هو الحال فى المجتمعات العشائرية ما عدا بعض الحالات الخاصة على المستوى الاقليمى كالمحكمة الاوربية لحقوق الانسان مثلا.
و آلية القانون الدولى لحماية حقوق الانسان على المستوى الدولى هى منظمة العمل الدولية.
اهداف و صلاحيات منظمة العمل الدولية
كما تم ذكرها اعلاه فان منظمة العمل الدولية تم تاسيسها سنة 1919 حسب معاهدة فيرساي للسلام و اصبحت فيما بعد سنة 1946 منظمة خاصة للامم المتحدة و مقرها الرئسى هو جنيف و عدد اعضاءها حاليا هو 178 دولة و هى تعتمد بصورة رئيسية على التنسيق والحوار بين كافة الاطراف المعنية كالنقابات و ممثلى ارباب العمل والحكومات. ففى مؤتمرها السنوى مثلا يحق لكل دولة الاشتراك من خلال اربعة ممثلين، اثنين منهم يمثلون الدولة و واحد يمثل العمال و الاخير يمثل ارباب العمل.
لمنظمة العمل الدولية اربعة اهداف رئيسية و هى:
1. دعم و تحقيق المبادئ الاساسية فيما يخص بحقوق العمال فى العالم مثلا من خلال اصدار توصيات بهذا الصدد و ابرام معاهدات دولية ملمزمة قانونيا لحماية حقوق الانسان.
2. السعى لايجاد فرص عمل مناسبة تضمن دخلا مناسبا للرجال و النساء.
3. دعم و توسيع فعالية نظام الحماية الاجتماعية كالتامين الصحى و التامين ضد البطالة مثلا.
4. تشجيع و تقوية مبدأ الحوار بين الاطراف الرئيسية الثلاثة اى النقابات و الدولة و ممثلى ارباب العمل.
و كما ان منظمة العمل الدولية تسعى الى محاربة ظاهرة التميز العنصرى بكل اشكاله و عمل الاطفال و تدعم التعاون التكنولوجى بين الدول و كذلك تتعاون مع دول العالم الثالث لغرض تدريب و تاهيل الايدى العاملة.
و فيما يخص ألية عمل منظمة العمل الدولية فانها تشمل بصورة رئيسية آليتين:
1.التوصيات
2. المعاهدات الدولية
1. التوصيات: فهى توصيات صادرة من هذه المنظمة موجهة بصورة رئيسية الى دول الاعضاء من اجل العمل لحماية حقوق العمال. هذه التوصيات تصدر عادة فى المؤتمرات السنوية لهذه المنظمة.
فمثلا التوصيات الصادرة من المؤتمر السادس و الثمانون للمنظمة سنة 1998 شملت المبادئ التالية: الحماية الفعالة لحقوق العمال، حرية التنظيم، حق التفاوض الجماعى، حظر كافة انواع العمل القسرى، حظر عمل الاحداث و كذلك حظر كافة انواع التميز فى مجال العمل.
2. المعاهدات الدولية: منظمة العمل الدولية تقوم عادة باعداد مسودة معاهدات حماية حقوق العمال و ثم تدعو الدول الاعضاء للتوقيع و المصادقة عليها. عدد هذه المعاهدات بلغ لحد الآن 184 معاهدة دولية تشمل كافة المجالات المتعلقة بالعمل من الاجور الى تحسين ظروف العمل الى حظر عمل الاطفال.
و لكن هناك سبع معاهدات من بين هذه المعاهدات تعتبر من نواتها:
1. اتفاقية حرية التنظيم (حق تشكيل النقابات) لسنة 1948.
2. اتفاقية حق المفاوضة الجماعية و حق التنظيم لسنة 1949.
3. اتفاقية الحد من العمل الاجبارى لسنة 1930.
4. اتفاقية حظر العمل الاجبارى لسنة 1957 .
5. اتفاقية حظر التميز فى مجال العمل لسنة 1958.
6. اتفاقية حق الاجور المتساوية لسنة 1965 .
7. اتفاقية الحد الادنى للاجور لسنة 1966.
غزارة الاتفاقيات المتعلقة بحماية حقوق العمال لها مدلولان: المدلول الاول هو سلبى لان القانون بصورة عامة يسعى الى فض النزاعات فى المجتمع بصورة سلمية و اصدار قانون ما يعنى بان هناك نزاعا مسبقا و غزارة الاتفاقيات المتعلقة بحقوق العمال تدل على ان هناك خروقات كثيرة لحقوق العمال و الا لم تكن هناك حاجة لتنظيمها قانويا. فمثلا لا نرى اتفاقيات دولية لحماية حقوق الاطباء و القضاة و المهندسين. و المدلول الثانى هو ايجابى لانه يثبت بان المجتمع الدولى لن يقف مكتوفة الايدى اتجاه خروقات حقوق العمال.
و مع هذا فان اهتمام القانون الدولى بحقوق العمال لا يعنى بالضرورة بان هذه الحماية هى فعالة ايضا. و لو ان مشكلة فعالية القانون الدولى هى مشكلة عامة و ليست متعلقة فقط بمجال حماية حقوق العمال و لكن المشكلة هذه تظهر بصورة خاصة فى هذا لمجال لكون العمال فعلا طبقة مهمشة يصعب عليها الدفاع عن حقوقها. و سبب العجز هنا يعود الى ضعف الآليات المستخدمة لحماية حقوق العمال، اى ان الاتفاقيات الدولية و التوصيات تفتقر الى ألية تنفيذية فعالة كمحكمة خاصة بها مثلا تصدر قرارات ملزمة لدول الاعضاء يستطيع العمال اللجوء اليها فى حالة خرق حقوقهم. لذلك فان الاتفاقيات و التوصيات الموجودة فى اطار منظمة العمل الدولية يمكن اعتبارها من ضمن ما يعرف بالقانون الناعم اى القانون الغير الملزم ماديا بل اخلاقيا لضعف آلية مراقبة تنفيذه.
فمثلا لو اخذنا عينة من هذه المعاهدات كاتفاقية تحديد مستويات الحد الادنى للاجور لسنة 1970 المادة 12 ، و اتفاقية حماية حقوق المهاجرين لسنة 1975 المادة 22، و اتفاقية حماية حقوق الضمان الاجتماعى لسنة 1982 المادة 26، و اتفاقية العمل الليلى لسنة 1990 المادة 17، و اتفاقية حظر عمل الاطفال لسنة 1999 المادة 14، نرى بان آلية كل هذه الاتفاقيات هى ضعيفة جدا اذ تنص كل هذه المواد التى تم ذكرها اعلاه على ان مجلس ادارة منظمة العمل الدولية يقدم تقريرا الى المؤتمر السنوى العام حول تطبيق الاتفاقية المعنية من قبل دول الاعضاء. و هى آلية ضعيفة جدا لا تتعدى توبيخ الدولة العضوة فى الاتفاقية فى حالة خرقها لاتفاقية من هذا النوع. فمثلا بالرغم من اتفاقية حظر عمل الاطفال فان هناك العشرات الملايين من الاطفال يعملون فى دول العالم الثالث تحت ظروف قاسية جدا و منظمة العمل الدولية لا تستطيع عمل شئ يذكر لمحاربة هذه الظاهرة.
و مع هذا فان منظمة العمل الدولية تنجز عملا عظيما فى مجال رفع الوعى لصالح حماية حقوق العمال لدى كافة الاطراف و و ضع الخطوط العريضة لحماية هذه الحقوق يجب على الدول ان تهتدى بها عند صياغة قوانين العمل الوطنية.
و من حسن الحظ ايضا بان مساعى منظمة العمل الدولية لحماية حقوق العمال هى ليست المساعى الوحيدة على الساحة الدولية فى هذا المجال كما ذكرنا اعلاه اذ ان هناك اطراف دولية و اقليمية عديدة تهتم بهذا الموضوع و بدرجات متفاوتة من الفعالية، حيث تتسم آلية بعض هذه الاطراف بفعالية كبيرة كالحقوق المعلنة المتعلقة بحقوق العمال فى الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان التى تراقب تنفيذها محكمة خاصة باسم المحكمة الاوربية لحقوق الانسان.
-----------------------------------------------------------------------------
الاسم : إيمان سليمان محمد سليمان
الشعبه : لغه عربيه " ابتدائي "