بينما كنت أتصفح برامج القنوات الفضائية وقع نظري على حوار بين أربعة دعاة بقناة الناس منهم المعروف ومنهم الغير معروف وكان احدهم هو الذي يحاور ضيوفه، والحديث كان عاما ليس فيه شيئا مميزا إلا أن أكبرهم سنا بدأ يتحدث عن زوجته وأنها السبب في التزامه، وظل يشكر في زوجته واستشهد بمشروع قامت به مع بعض الأخوات لها لمساعدة المقبلات على الزواج وهو بأن تجمع فساتين الزفاف المستخدمة واعطائها لوجه الله لمن تنوي الزواج للتوفير عليها، وقال أنها أيضا استغلت ذلك في الدعوة إلى الله وشرح لنا هذا قائلا أنها كانت تؤجر للمنتقبات فقط وفي مرة جاءتها أم تريد تأجير أحد الفساتين لابنتها فسألتها الزوجة ابنتك منتقبة؟ قالت لأ محجبة عادي، وتعليقا على رد هذه الأم ظل الشيخ الوقور يسخر من كلمة "عادي" وضحك الجميع من طرافة الشيخ، سخرية من المحجبة عادي والتي ذهبت للمنتقبة أملا في أن تساعدها، واستطرد قائلا أن زوجته ردت عليها أنها لا تؤجر فساتين للمحجبات عادي واستمر فاصل السخرية وهو يضغط على هذه الكلمة ويكررها.
قال تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)
وهنا أتساءل لو أن المحجبات "عادي" شاهدوا هذه الحلقة ماذا سيشعرون تجاه هؤلاء الدعاة وتجاه المنتقبات وتجاه ما تعنيه كلمة ملتزم على اعتبار أن من يظهرون بهذا المظهر في شاشات التليفيزون هم الملتزمون. يحاربون من أجل أن يكون مظهرهم على سنة نبيهم المصطفى ويتجاهلون سنته في الخلق والمعاملات
وفي موقف آخر كنت أتحدث فيه مع أخت لي (محجبة) عن خلق المنتقبات بشكل خاص ووجوب التزامهن لأنهم دعوة للأخوات في أن يحبوا دين الله وبموقف صغير قد ينفروا للأبد على أساس أن النقاب هو أقصى التزام، وحدثتها عن موقفين لي في الكلية جعلوني أكره المنتقبات كرها شديدا ولو أن الله كتب لي يوما أن أصبح منهن
× الموقف الأول: كان وأنا في كلية العلوم وذهبت لأبارك لاحدى زميلاتي لأنها لبست النقاب بعد الخمار ولم أكن وقتها محجبة، وقلت لها "ادعيلي البس الحجاب" واحرجتني بلهجة عنيفة أمام مجموعة من الزملاء الاتي أتين لنفس السبب "وأنا مالي متدعي لنفسك".
× الموقف الثاني: حين قررت الالتزام بالصلاة وأحببت أن أجعل صلاتي أثناء وجودي في الجامعة في مسجد الكلية فذهبت وصليت واستمتعت وأحببت أن أمكث بعض الدقائق في هذا الجو الروحاني الرائع حتى يأتي موعد بدأ المعامل، وكنت قد قررت في هذه الدقائق أن فترات الراحة بين المحاضرات سوف أقضيها بعد ذلك في المسجد، وأثناء جلوسي جاءتني أختين منتقبتين وجلستا معي وحدثتهن عن شعوري فما أن قلت ذلك حتى ظللوا لمدة نصف ساعة ليقنعوني أن ما أفعله ليس له أي معنى إن لم ألبس الحجاب وأني يجب أن ألبسه فورا وإلا كنت عاصية لله ورسوله ومغضبة لله ورسوله، وقلت لهم لا أستطيع الآن لظروف في بيتي تمنعني من ذلك وانتظر حتى الزواج، قالوا لا هذا الكلام لا ينفع وظللنا هكذا في أخذ ورد حتى أقنعوني تماما أنني مهما فعلت بدون حجاب لن أساوي عند الله شيئا، وكانت النتيجة أنني توقفت عن الصلاة تماما ولم يكن إلا قبل شهور كثيرة ثقيلة حتى استطعت أن اعيد توازني وأشتاق لما كنت قد بدأت وأعيد رحلة جهاد نفسي لأتعلق بما استطيع من حبال النجاة التي تعينني على الفوز برضا الله.
ونعود إلى الأخت التي كنت أحدثها عن كل ذلك والتي كان ردها "ولكني اعرف منتقبات وهم متعاونين جدا مع بعضهم البعض حتى إذا مرضت احداهن زاروها وساعدوها وإذا احتاجت احداهن شيئا هبّوا لمساعدتها و......
وتعليقا على ما جاء أقول:
× هل من المفترض أن المسلم حين يلتزم ينعزل عن الناس ويتحدث معهم باقتضاب ولا يساعدهم ولا يشاركهم وتتغير حتى نبرة صوته في التحدث معهم على أساس أنه أصبحت له منزلة أخرى
× هل معنى الالتزام اللحية والنقاب وعدم التحدث مع الناس أو مساعدتهم وتجهم الوجه وعدم التبسم في وجه الآخرين
× هل معنى الالتزام زجر من يراه يقوم بمعصية من منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فالمسلم دعوة إلى الله بحسن خلقه واحسانه للناس والشكل ليس هو الالتزام ولكن مجرد تعريف أن وراءه خلق ومعاملات الاسلام
ودعوته من منطلق حب للناس وليس تعالي عليهم لذا تجد الملتزم أحرص الناس على شعور الآخرين حتى لا ينفرهم ويخسرهم ويخسر ثوابهم، وتذكر أخي أن رسولك بعث رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط
..
تجده صابرا على خلق الله ينتظر بفارغ الصبر أن يفتح الله بينه وبينهم، ويدعو لهم بقلبه في كل حين ويتمنى لو كانت الأرض جميعا مسلمة لله
..
كما أنه لا يلح في دعوته حتى لا يستفز وينفر الآخر، فإذا وجد أن الدعوة المباشرة لا تلقى قبولا فعليه أن يستخدم الطرق الغير مباشرة كأن يربط شكواه بما له علاقة بربه أو أن يقترح عليه حل المشكلة بطاعة يقوم بها ولتكن صدقة أو عمل خير، وإذا لم ينفع فيكون الصمت والخلق وحسن المعاملة خير دعوة دون كلمة واحدة في هذا الموضوع
وكل ذلك مع الوضع في الاعتبار أن الانسان ليس عليه إلا البلاغ
انظر قوله تعالى في سورة المائدة:
مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)
وفي سورة النحل:
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35)
وفي سورة النور:
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
وفي سورة العنكبوت:
وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)
وفي سورة يس:
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17)
وفي سورة الشورى:
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48)
ولكن لا تتعامل مع من حدثته واعرَض بغير خُلُق الاسلام، فقد تقول له كلمة لا يسمعها في حينها ولكن تظل تدور داخله حتى يجعل الله حسن خلقك سببا له في حب الاسلام والمسلمين. ولا تنس أخي أن الاسلام انتشر بحسن الخلق وشدة الأمانة مع الكفار سواء في الحروب وفي التجارة حتى ملأ العدل أرجاء الأرض، فما بالك تعاملك مع اخوانك المسلمين.
ولن يتمكن من كل ذلك إلا إذا اختلط بالناس وأحسن لهم
فقد قال الله تعالى في سوة آل عمران:
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على ست : إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فاجبه ، وإذا استنصحك فأنصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه )
قال صلى الله عليه وسلم: ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم )
قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : ( ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان : الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار ) .
ومن حقوق المسلم على المسلم كف الأذى عنه ، فإن في أذية المسلمين إثما عظيماً قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) – الأحزاب والغالب أن من تسلط على أخيه بأذية فإن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
قال صلى الله عليه وسلم : ( وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ) .
قال صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)
وقال تعالى في سورة آل عمران:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
وفي سورة الفتح:
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا .........(29)
ينظر الملتزم إلى الالتزام الشكلي (الملبس) الذي اختاره لنفسه على أنه منزلة عالية خصه الله بها ولها متطلبات مثل عدم التحدث مع العامة ولو تحدث تشعر في كلامه الاستهزاء بالآخرين على أنهم جهلة ولا يستحقوا هذا المستوى من الحديث، لا يوجد رأي إلا رأيه ولا يستطيع ان يتحمل الاختلاف على اعتبار أنه الصح ولا يصح من بعده شيئا، وإذا قال كلمة فلا أحد يراجعه فيها بل على الجميع أن يقول امين........
ونرى أنبياء الله يدعونه سبحانه ليدخلهم في عباده الصالحين فضع نفسك في حجمها ولا تكون بهذه الثقة
فقد قال الله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
وعلى لسان سيدنا ابراهيم عليه السلام (خليل الرحمن) في سورة الشعراء
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
وعلى لسان سيدنا سليمان عليه السلام في سورة النمل
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
آخر كلمة هي تحذير ممن تعلق بشكل الالتزام لأنه اعطاه "برستيج" معين وسط المجتمع واكتفى بهذا وطاح في الدعوة إلى الله بغير علم وبغير عمل، فإن أولى الناس أخي بالدعوة هو نفسك
قال الله تعالى:
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44)- البقرة
ولا تعتمد على بشر مثلك لأن البشر لا يملكون لأحد ولا لأنفسهم شيئا إنما الرقيب عليهم ربهم سبحانه وتعالى، يعلم سرهم وجهرهم، وهو الذي يملك أمرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وإذا كان حديث نفسك مخالف لما تظهره، فاحذر قوله تعالى:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) – محمد
في ختام هذا الموضوع
استغفر الله لي ولكم
*****************************************************************
حتى يكون لدى امانه قمت بنقل الموضوع من القسم الاسلامى لمنتدى اصحاب كول******************************************************************
عبير